عبر عدة مراحل من علو صوت المرأة، عمل البعض على عزلها وحرمانها من القيام بدورها الحقيقي عبر إضافة أدوار هامشية لها لعرقلتها أو لتبريرها كعذر لعدم جدوى وجودها في هذا الميدان أو ذاك. تلك الأعذار تبدأ بالخصوصية الجندرية أو الجغرافية أو الاجتماعية، الدينية والثقافية. ومثال ذلك القول بتبعية المرأة للرجل، فالبعض يعتبره دوراً أو أن لا تكون مسؤولة كلياً عن نفسها ووجوب إعطاء هذا الدور لرجل!
يجب أن تعرف المرأة أن الأسباب التي أوْجبت إصدار اتفاقية خاصة من قبل الأمم المتحدة هي الانتهاكات الممنهجة التي مورست ضد النساء على مدى عقود وحان وقت السعي لإيقافها أو المساهمة بتقليلها. وهذا يحتاج إلى أدوات، أهمها تبنّي اتفاقية سيداو (CEDAW) وهي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام سنة 1979 وأصبحت نافذة سنة 1981.
كما أن هناك أداة أخرى يعول عليها، وهي الوعي. فالمجتمع الغارق بأفكار تقلص من أدوار الأفراد فيه لأسباب تمييزية لن يتمكن من إعطاء المرأة حقها. فالدين، العرف، والقوانين المحلية غير القابلة للتغيير كلها أدوات تعتمد على غياب وعي الفرد ليتم استغلاله لتعبأته بشكل سلبي.
التزمت الدول ببنود أبرزها عدم التمييز القائم على الجنس، كذلك ضمان عدم التمييز عبر إتاحة التمتع بكافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويتحقق ذلك بموائمة القوانين المحلية مع بنود الاتفاقية بعد التصديق عليها، وهو ما وضع الحكومات أمام مسؤولية دولية ولكنها لا تتعدى الخطاب الدبلوماسي ومراقبة وضع حقوق الإنسان والسعي لتغيير الواقع.
التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكاً لتلك المبادئ. فلا يوجد ميدان نسوي وميدان ذكوري، فكلاهما يساهمان بنمو المجتمع والأسرة عبر تقاسم المسؤوليات. وحتى نصل إلى تلك الشراكة، يتطلب ذلك إحداث تغيير في الأدوار التقليدية لهما. ولست أقصد أن يتخلى المجتمع عن إرثه الديني والاجتماعي، بل أن يعيد التفكير ببعض السلوكيات الخاطئة التي ينسبها لذلك الإرث.
كما يجب أن لا يكون الإنجاب سبباً للتمييز ضد المرأة عبر تضخيم فكرة ضعفها البدني أثناء الحمل والولادة وما بعدهما وجعلها أسباباً لعدم قدرتها على التوفيق ما بين مهامها الحياتية والأسرية، وبالتالي إقصاءها طوال تلك الفترة. بل يجب أن يترك لها حق الاختيار لتقرر ذلك بنفسها. وقد تظن أن بعض الأمور البديهية كنيل النساء حقهن في الرعاية الصحية والتعليم والغذاء أمر يجب أن يحدث، لكنه واقعاً ليس بهذه البساطة. فلو فعلا تم توفير كل هذه الحقوق لتدنى مستوى الفقر وحال دون وقوع حالات الاتجار بالبشر، كما يحدث في بعض الدول.
المرأة ليست مجرد رقم في التعداد السكاني، بل هي سبب آخر لإعادة تقييم النظام الاقتصادي لكل بلد. فمبادئ جوهرية كالعدالة والإنصاف كفيلة بالنهوض بكلا الجنسين. وهذا يعني أن لا يخضع النظام لضغوط توهن من قيمة وجود المرأة لأسباب عنصرية فتقوم بممارسة أشكال التمييز ضدها.
ومما لا شكل فيه، مثل ما قرأت مرة لأحد المفكرين، أن معظم سياسات الدول الاستعمارية كانت تحاول جاهدة أن تقنن دور المرأة وتحرمها من حقها في التعليم، وبالتالي تأخر نمو هذا البلد كونها ستساهم بشكل كبير في تقدم البلدان على كافة المستويات.
وإذا كان تأخر المرأة هو من أدوات تأخر البلد وتجهيله ومن أدوات الغزو الأجنبي للبلدان، لك أن تتساءل: لماذا لا نقوم بالحرص على تقدم المرأة والدفاع عن حقوقها؟
No comments:
Post a Comment
Note: Only a member of this blog may post a comment.