أكدت الناشطة الحقوقية والمدافعة عن حقوق الإنسان هديل بوقريص، أن بعض منظمات حقوق الإنسان لا تعنى فقط إلا بالملفات الساخنة، التي تتماشى مع الجمهور، مشيرة إلى أن هناك ملفات مهمة لا يلتفت أحد إليها، مثل قضية البدون والعمالة والعنف ضد الطفل أو المرأة، مع أنها تعد انتهاكات لحقوق الإنسان، لكن لعدم تماشيها مع الساحة السياسية، فلا يلتفت إليها أحد.
وأضافت في حوار لـ«الطليعة»، أن بعض المنظمات تضع نصب عينيها ديوان حقوق الإنسان، الذي تعمل عليه لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، بهدف الحصول على كرسي في الديوان، لافتة إلى أن أي اعتداء على حقوق الإنسان، سواء كان صغيراً أم كبيراً، يعد انتهاكاً.
قضايا كثيرة تناولها الحوار، وفي ما يلي التفاصيل:
● كيف ترين مستوى حقوق الإنسان والعمل الحقوقي في الكويت؟
ـ المستوى لايزال متواضعاً جداً، وأخيراً بدأ العمل الحقوقي يحمل رؤية، لكنها غير كافية للحد من الانتهاكات، فلدينا مشكلة أن بعض المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان تعنى فقط بالملفات الساخنة، التي تتماشى مع الجمهور، وهناك ملفات مهمة لا يلتفت أحد إليها، مثل العمالة والعنف ضد الطفل أو المرأة، وهذه الأمور تعد انتهاكات لحقوق الإنسان، لكن لعدم تماشيها مع الساحة السياسية، فلا يلتفت إليها أحد، وخصوصاً قضية البدون، التي يحرص كثيرون على القول إنهم مهتمون بها، لكن حين تصبح الأمور حقيقية تلامس الأرض، نجد أن الجميع يبتعد، فيوم 18 فبراير، حين تظاهر البدون، كان عدد الراصدين قليلاً، رغم أن الجمعيات الحقوقية تدرب الراصدين، وكل جمعية أو منظمة لديها فريق رصد.. فلو أن كل منظمة أنزلت فريقها لاستطعنا الحد من الانتهاكات، وخصوصاً أن منطقة تيماء كبيرة، إلا أن المنظمات تقاعست، لذلك أنا أرى أن لدينا تجربة حقوقية جيدة، لكنها لا تلبي الطموحات، لأن كل من فيها يعمل منفرداً، ويعتقد بأن العمل الحقوقي تجربته الخاصة به التي يريد أن يحتفظ بها، في حين أن العمل الحقوقي موجة ظهرت في الكويت ويجب الاستفادة منها، لكن المشكلة أننا نأخذها بشكل سلبي، فالمنظمات الحقوقية تكتب التقارير للاستعراض الدوري الشامل، وبدلا من الجلوس مع بعضها والتنسيق في ما بينها لكتابة التقارير لتشمل كافة الجوانب، نجد أن كل منظمة تكتب تقريرها الخاص، والمدرب عادل القلاف بذل جهداً كبيراً لجمع المنظمات الحقوقية، من خلال اجتماعات دورية لجمع الرأي، لأن الاتحاد بين منظمات المجتمع المدني يؤدي إلى مهنية نفتقدها، ولو سألت أي منظمة عن عملها على تقارير الاستعراض الدوري، فلن تبوح بعملها.
وبالنسبة لي، فأنا ناشطة مستقلة، لا أملك هوية منظمة، وأعمل مع زميلي نواف الهندال كناشطين مستقلين، ولدينا نقص في بعض الأمور، كما حدث في الفترة الأخيرة، حين أردنا التواصل مع 15 مصريا تم ترحيلهم والنظر في قضيتهم، لم نجد اهتماما ومساعدة من أحد، لأن القضية ليست من الملفات الساخنة بالنسبة إليهم.
● هل ترين أن مشكلة العمل الحقوقي في الكويت هو انعدام التنظيم بين المنظمات الحقوقية؟
ـ ليس التنظيم وحده، بل إن بعض المنظمات تضع نصب عينيها ديوان حقوق الإنسان، الذي تعمل عليه لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، لذلك أعتقد بأن الهدف في الكواليس، هو الحصول على كرسي في الديوان، والمشكلة أن مؤسسات المجتمع المدني تعمل بطريقة الحركات السياسية نفسها، ما يؤثر سلباً في حقوق الإنسان في الكويت.
مدافع لا ناشط
● هل ترين أن الجمع بين العمل السياسي والحقوقي يؤثر سلباً في الحياد؟
ـ الجمع بين العملين يؤثر في المصداقية بالطبع، والمنظمات الحقوقية الدولية ترفض ذلك، حتى كلمة «ناشط حقوقي» تعد خاطئة، لأننا استقيناها من ناشط سياسي، والمفترض أن نقول «مدافع عن حقوق الإنسان»، لذلك، فالمصطلح المشوه أنتج عملاً مشوهاً، وهناك شخصيات تعتقد نفسها حقوقية، لكنها تلعب سياسة، حتى إن المنظمات الدولية تستغرب من ذلك، فمثلاً عبدالهادي الخواجة أستاذ في مجال حقوق الإنسان، ومؤسس مركز الخليج لحقوق الإنسان ومركز البحرين لحقوق الإنسان.. ووفق علمي المحدود لم يفهم أحد حقوق الإنسان إلا على يد هذا الأستاذ الفاضل، وهو لم يدخل في مجال السياسة إلا بعد أن استقال من مركز البحرين لحقوق الإنسان، لأنه وجد نفسه أمام مشروع إنقاذ وطن في مرحلة حرجة، فنزع الرداء الحقوقي وارتدى الرداء السياسي، وكلنا احترمنا قراره.. أما الناشط البحريني نبيل رجب، فقد كتب تغريدات أوّلت على أنها سياسية، ونحن حين نخاطب السياسيين برسالة هذا يعد طريقة قديمة، وهي محاولة لاتخاذ خطوة للأمام للسير مع السياسي خطوة بخطوة.. أما عبدالهادي الخواجة، فيشبه غاندي في العمل السياسي، حيث الانتقال من الحقوق إلى النضال، وحين نكتب عنه كنا نصفه بالمستقيل من مركز حقوق الإنسان.
● وكيف ترين مستوى حقوق الإنسان والانتهاكات في الخليج ومقارنتها بالكويت؟
ـ أخيراً، أقمنا مؤتمر المعتقل الخليجي، والسعودية كان لها نصيب الأسد، بعدد 35 ألف معتقل، فيما العدد الكلي للمعتقلين الخليجيين 40 ألفاً، وفي الكويت عدد معتقلي الرأي يعدون على الأصابع، لكن هناك نسبة عالية من معتقلي قضايا الإساءة للذات الأميرية والتدخل في صلاحيات الأمير، فأي اعتداء على حقوق الإنسان، سواء كان صغيراً أم كبيراً، يعد انتهاكاً.. وخليجياً، لدينا معتقلون سعوديون في البحرين ومعتقلون بحرينيون في السعودية ومعتقل كويتي في السعودية، وفي الإمارات كذلك، وللأسف، دولنا تتشدق بمساعدة الثورة السورية واستقبال اللاجئين، لتتجمل أمام مجلس حقوق الإنسان، في حين نجد انتهاكاً ممنهجاً في السجون والإساءة للوافدين والتمييز حتى في مباني الدولة، فقد دخلت مرة إلى مبنى الهجرة والجوازات لإجراء معاملة، كانت مقاعد الوافدين محطمة ومهترئة، في حين مقاعد المواطنين ومواطني دول مجلس التعاون وثيرة وبحالة جيدة، وهذا تمييز، كما أن الكويتيين يعيشون في بيوت فخمة، بينما البدون يعيشون في بيوت شعبية حالتها مؤسفة، والكويتي يأخذ راتباً أكبر من البدون، على الرغم من أن البدون يعمل ساعات أطول، فهذا التمييز وعدم المساواة يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان.
انتهاكات في الكويت
● ما أكثر الملاحظات الموجهة للكويت في مجال انتهاكات حقوق الإنسان؟
ـ أكثر قضية فيها انتهاكات لحقوق الإنسان هي قضية البدون، فهم محرومون من حق الوظيفة وحق التعليم وحق السكن وحق الضمان الاجتماعي، إلى جانب حقوق المرأة، وأوضاع السجون التي لا نستطيع الدخول إليها بشكل دوري، وجمعيات حقوق الإنسان لا تلاحق هذا الأمر، ولا أقصد السجين الكويتي، بل السجين الوافد، ففي مراكز الإبعاد هناك معاناة، وقد شاهدت ذات مرة بالمصادفة شباباً مصريين عند مركز الإبعاد يتظاهرون خارجه، لأنهم غير قادرين على إدخال ملابس لأصدقائهم، وحدثني رجل باكستاني في الإبعاد أنه لا يعطى إلا ربع كوب ماء صباحاً وآخر مساءً، ووجبة طعام واحدة، ويمكن القياس على ذلك العمالة والاتجار بالبشر، فالعاملة تشترى وتباع، صحيح أنه ليس عقد بيع، لكنه بمثابة البيع، فالسعر يرتفع وينزل وفق الدولة، وكذلك نظام الكفيل الاستعبادي، الذي يضطر من خلاله الوافد لدفع مبالغ كبيرة للكفيل الكويتي، حتى يستطيع الاستمرار والبقاء في الكويت، فما ذنبه أنه جاء من دولة فقيرة؟، وكذلك هناك انتهاكات في حرية التعبير.. ولننظر إلى عدد المغردين المسجونين وإيقاف الصحف والمؤسسات الإعلامية التي يجب أن تكون مستقلة تماماً عن السطوة السياسية أو التجارية.
● هناك بعض الانتقادات التي توجَّه للمدافعين عن حقوق الإنسان، لدفاعهم عن أشخاص متهمين بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، مثل حمد النقي، هل وجهت لك مثل هذه الانتقادات؟
ـ بالطبع، ولا تزال، فدفاعنا عن حمد النقي كان من منطلق أنه تمت تبرئته بالدرجة الأولى، ثم الحكم عليه بالحبس 10 سنوات، للإساءة للملكين حمد وعبدالله، ومثله عبدالله فيروز، دافعنا عنه أيضا، لأننا نعتقد بأن من حقه التعبير عن رأيه، فالكتابة على «تويتر» قد تكون في لحظة غضب لا يفكر البعض في ما يكتب، فليس من العدل حبسهم لـ 10 أو 11 سنة، مثل هدى العجمي، والبعض يحاكم على نواياه الآن، وهذا خطأ، ومن هنا نصنف المعتقلين إلى تصنيفين: فهناك معتقلو رأي، ومعتقلو ضمير، وأغلب الشباب الذين اعتقلوا بسبب «تويتر» معتقلو ضمير، مثل عياد الحربي، الذي حكم عليه سنتين، بسبب نية، فجهاز أمن الدولة يؤول التغريدة كما يريد، لذلك يجب أن نقف على الحياد بين جهاز أمن الدولة الذي يؤول الكلام وبين الناس الذي تهاجمه، فلا ينصف الشخص ويدعم حقه إلا المدافعون عن حقوق الإنسان، كجهة محايدة، وللأسف وجدنا حقوقيين تخلوا تماماً عن هذا المبدأ، لأن الحقوقي يجب أن يدافع عن حق الإنسان في التعبير مهما كان رأيه، وللأسف بعض جمعيات حقوق الإنسان لا تزال في قضية حمد النقي ترفض ترتيب زيارات له في السجن مع بقية سجناء الرأي مع أن «هيومن رايتس ووتش» طلبت زيارته، إلا أن هذه الجمعيات ترفض تنسيق هذه الزيارات لأنها تعتقد بأنه أساء لمذهب معيَّن، ولا يجوز للحقوقي أن يعكس رأياً محدداً أو ديناً معيناً، حتى يتمكن من التعامل مع الجميع ويحترم معتقداتهم.
الشعور بالآخرين
● هذه الانتقادات التي توجه لكم حال مدافعتكم عن مثل هذه الشخصيات.. هل تعكس انخفاض وعي المجتمع بمفاهيم حقوق الإنسان؟ وكيف ترين مستوى الوعي؟
ـ المجتمع يرفع شعاراً قد لا نكون بحجمه، فحين نرفع شعار «فصل الدين عن الدولة» نحن لسنا بحجمه، وشعار حرية التعبير كذلك، فقد كنت في ملتقى تحدث فيه شخص عن حرية التعبير مع أنه كان من الذين يغردون بــ«ومنا إلى أمن الدولة» في «تويتر»، كمطالبة صريحة بالاعتقال، فمشكلتنا أننا لا نشعر بالآخرين، إلا إذا ضربنا بــ«المطاعة» على رؤوسنا، فحين خرج البحرينيون للمطالبة بحقوقهم طالب البعض بقتلهم.. أما حين خرجوا هم هربوا واختبأوا وقالوا إن من حقهم المطالبة بحقوقهم، وبينما هربوا من «المطاعة»، خوفاً من دفع قطرة دم، كان البحريني يتلقى الرصاصة في صدره، لذلك يجب أن يتعلموا من تجارب الغير، قبل الحديث عن المفاهيم الكبيرة التي يتحدثون عنها، ولهذا مجتمع الشعارات سيبقى على الشعارات فقط، ونحن نقول إن لدينا ديمقراطية ولا نملكها، ولدينا حرية تعبير ولا نملكها، ونقول إننا نؤمن بالاختلاف ونتقاتل من تحت الطاولة، فيأتي المسلوبة حقوقه لمن يعتقد بأنهم مهتمون بحقوق الإنسان، فلا يجد عندهم شيئاً، لأنهم يقولون ما لا يؤمنون به.
● ما الذي تفعلونه لرفع الوعي المجتمعي بمفاهيم حقوق الإنسان؟
ـ سخرت حسابي في «تويتر» لرصد انتهاكات حقوق الإنسان ورفع وعي الفرد، وهناك دورات يقيمها معهد حقوق الإنسان، كما أنشأت زميلتي مشاعل الشويحان أيضاً مبادرة وعي لحقوق الطفل، لإيمانها بأننا يجب أن نبدأ من الطفل، ونقدم معاً ورشات عمل تستهدف هذه الشريحة العمرية، لإنتاج جيل لا يفرق بين أبيض أو أسود، سني أو شيعي، أو التمييز على أساس الجنسيات، وفي الورشة أختص بالإساءة اللفظية والجنسية للطفل (التحرش الجنسي)، وتختص مشاعل بالحقوق العامة للطفل وحماية الأطفال المعاقين، والمشكلة أن عددنا قليل والأطفال كثر، ولا يوجد تنسيق بين منظمات المجتمع المدني التي لا يهمها سوى كتابة التقارير وحضور جنيف، التي هي بالنسبة لي آخر محطة يجب التفكير بها ويسبقها إنجاز حقيقي على الأرض بابتسامة طفل «بدون» يدخل المدرسة أو رجل عجوز يحصل على علاجه، وبعدها فلنفكر بجنيف.
مقاطعة وتوعية
● ما أدواتك للتغيير الذي تريدون أن يصل إلى جميع الأفراد، حتى أؤلئك الذين لا يبادرون بالانضمام إلى الدورات، أو لا يتمكنون من متابعتكم على «تويتر»؟
ـ نحن في طور المحاولة لتطوير أدواتنا، حتى عن طريق الكتابة كوني كاتبة، لكن حاليا مقاطعة لصحف الكويت، لأنها تكتب عن البدون بطريقة عنصرية، وتكتب عن القضية البحرينية بطريقة كاذبة، لكن نحاول أن نصل بالأفكار حتى في تجمعاتنا مع الناس، وأحاول توعية كل إنسان، بدءاً من أسرتي وأصدقائي، والكثير يتعذرون بأن حقوق الإنسان ولادة غربية، وهذا غير صحيح، فحتى الآيات والأحاديث تعطينا الحقوق، لكننا لا نستخدمها إلا وفق مصالحنا.
● ما أكثر المشاريع والقضايا التي تركزين عليها حالياً؟
ـ حالياً أنا وزميلي نواف الهندال نعمل على تأهيل الشباب وتدريبهم على رصد الانتهاكات ميدانياً، لقلة الراصدين، وتوعية الأفراد بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الكويت، فيجب على الفرد أن يعرف حقوقه وواجباته.
● كامرأة في مجتمع ذي نزعة ذكورية، هل واجهت صعوبات في دخول مجال العمل الحقوقي؟
ـ دخلت المجال الحقوقي ولم يكن مرحباً بي، فقد كنت أدخل الدورات الحقوقية بالإجبار، لأنها كانت بمثابة الحفلات المغلقة، لا تريد كل مجموعة أن يدخل معها أحد، ولكن لأن حقوق الإنسان للجميع، كنت أتعمَّد أن أدخل وأترك الباب مفتوحاً خلفي، الجميع يجب أن يتدرب على حقوق الإنسان لا النخبة فقط، لأنه من المضحك أن يجلس الحقوقي في برج عاجي، ويجب أن تلغى الطبقية، لا الاقتصادية فقط، بل والفكرية أيضاً، فقد تعرَّضت للكثير من الهجوم، وخاصة بسبب اهتمامي بقضية البحرين، وحين أعمل مع رجال، فأنا أخبرهم أننا أناس وبشر، لا ذكور وإناث، وهذا ما جعل العمل مع الجميع حتى من الشباب عملاً محترفاً، ولهذا أتناغم مع زميلي نواف الهندال، لأننا نتفاهم كثيراً ولا ننظر لبعضنا كرجل وامرأة، بل كبشر فقط، فحين ينظر الشخص إلى الآخر على أنه إنسان من دون النظر للمعايير الجنسية يشعر بالمساواة، حتى يتمكن من العطاء، حتى إننا في ورشة حقوق الطفل التي نقيمها نعلم الأطفال بمصطلحات «صديقنا الإنسان»، من دون التمييز بين جنس هذا الإنسان.
الإعدام وحقوق المثليين
● البعض لا يؤمن بحقوق الإنسان، ويعتبره مخرجاً غربياً لا يناسب كافة الثقافات وفيه ما لا يتواءم مع الدين الإسلامي، فما ردك على هذه الانتقادات؟
ـ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حين أنشئ عام 1948 كان بتوافق من أغلب دول العالم بكل ثقافاتها، ومستقى من الديانات السماوية، كما أن الموضوعين الأكثر رفضاً من قبل هؤلاء هما إلغاء الإعدام وحقوق المثليين، والأخيرة هي المنطقة الأكثر سخونة بالنسبة لهم التي ننتقد عليها كثيراً، حسناً، المثلي حين يمارس ما يمارسه هل يؤذيك؟ هل يسيء لك؟ هل ينقل لك مرضا؟ هو لا يفعل كل هذا، إنه إنسان يسير بيننا ويختلف عنا بشيء واحد فقط لا شأن لنا به، ويفترض أن نربي أبناءنا على ألا يحدقون بهم أو ينظرون إليهم نظرة غريبة، حتى يشعروا بأنهم بشر مثلنا، كل ما يختلف عنا هو اختيار جنسي، وهم ناضجون قانونياً بالغون عاقلون يستطيعون اتخاذ قراراتهم بأنفسهم لسنا مسؤولين عن تصرفاتهم، وفي مجتمعنا الأغلب يريد أن يكون أباً للآخرين، وهو اعتداء على خصوصية الآخرين.. أما في ما يخص الإعدام، فإن من المضحك أن لدينا منظمة حقوقية تؤيد الإعدام، ما يناقض حقوق الإنسان أصلا!
● انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة.. فهل لديكم أداة لمنع تكرارها؟
ـ فضح الانتهاك هو وسيلة للحد منه، لأن الصمت عن انتهاك حقوق إنسان يشجع على تكرار ذلك، في مسيرة كرامة وطن، وخاصة في المسيرات الأولى، كان عدد الراصدين كبيرا، وساهم كثيراً في الحد من الانتهاكات، ودائما أطلب من الراصدين الشباب ألا يتحدثوا مع الشرطة، إن لم تكن لديهم آلية في الحديث.. أنا ونواف تدخلنا في عدة حالات، ومنعنا الشرطة من ضرب المتظاهرين، وهذا مريح جداً، لأنه أصبحت لدينا آلية تمكننا من التفاوض مع الشرطة.
● وهل استطعتم إيقاف انتهاك عن طريق مراسلة منظمات دولية؟
ـ أغلب القضايا في الكويت منظورة أمام القضاء، وفي قضية عبدالحكيم الفضلي راسلنا المنظمات بشكل مكثف، حتى خرج، لكن في الكويت ليست لدينا قضايا ممنهجة، أقصد أن هناك انتهاكات ممنهجة، لكنها ليست مميتة على عكس البحرين، فمثلا هناك حالات اختفاء قسري وقتل خارج نطاق القضاء، وكنا حين يتعرض الفرد للاختفاء القسري، كنا نعلم أنه قد يتعرَّض للتصفية، فنقوم بحملة، فتشعر الحكومة بالضغط، ويتصل بنا المختفي، ليبلغنا أنه لا يزال حياً، هو قد يكون تعرَّض للتعذيب، وهذا يحدث كثيراً في البحرين، حتى إن مقرر التعذيب في لجان الأمم المتحدة منع من دخول البحرين ثلاث مرات، لذلك، فالمراسلة الفورية للمنظمات الدولية، وخاصة أنها توفر خطاً ساخناً للتواصل معها، تشكل ضغطاً على الحكومات، وتتبين هنا أهمية العمل الجماعي، فإذا ما عملنا معاً نشكل ضغطاً أكبر.
أدواتنا متواضعة
● هناك قوانين تنتهك حقوق الإنسان، فهل تحاولون تقديم مشاريع بديلة لتغيير هذه القوانين أو تلفتون نظر المشرع لها؟
ـ هذه الأبواب مفتوحة للجمعيات والمنظمات المشهره للدخول إلى لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، لكن نحن كنشطاء مستقلين أدواتنا صغيرة ومتواضعة، مثل تجهيز ملف وإعطائه لنائب، إذا استقبلنا، أو نتحدث مع المعنيين، لكن لعدم وجود طاولة تجمع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غابت الرؤية، ولو عملنا جميعاً على تغيير تشريع لنجحنا، وأيضاً لدينا مشكلة أننا لا نملك محامي حقوق إنسان، لدينا محامون يعملون في مجال حقوق الإنسان، لكن في الغرب لديهم محام مختص بحقوق الإنسان، يعني كل محام بملف محدد يتمكنون من إنشاء مشاريع لتقديمها للحكومة، نحن لدينا أوراق فردية تم تقديمها من قبل أفراد، لكن كيف يتم تبني هذه الأوراق.
● هل تعرضت لمضايقات من قبل السلطة أثناء عملك كحقوقية؟
ـ نعم بالتأكيد، فقد كدت أتعرض مرتين للضرب، ومرة للدهس، وثلاث مرات للاعتقال، وصحف صفراء كتبت عني أنني محرضة للبدون وأحرضهم على اقتحام المخفر، وتم تحويلي للتحقيق، إثر تأييدي للقضية البحرينية، واتهمت بأنني عميلة بحرينية، واتهمت بأنني تابعة لحزب الله وبعض الخلايا الإرهابية، هذا غير الشتم على «تويتر».
● برأيك، لماذا يؤخذ على الحقوقي الكويتي اهتمامه بالقضايا الخارجية أكثر من القضايا الداخلية؟
ـ فعلا، وبالنسبة لي أهتم بقضية البحرين، لأنني أعيش في مجتمع أغلبه ضد قضية البحرين ولا يغطيها، وبالمقابل هناك بكاء وتبرعات لسوريا رغم أننا أقرب للبحرين، فوجدت نفسي خاصة بعد وفاة إحدى صديقاتي اسمها فاطمة في مستشفى السلمانية، بعد أن حاصره درع الجزيرة والجيش السعودي والبحريني ومنعها من تلقي العلاج والطعام خلال ثلاثة أيام، وهي مريضة بالسيكلار، ما أدى لوفاتها، هذا الحدث جعلني أتخذ موقفاً جاداً من القضية البحرينية، فصرت أتكلم بلسان فاطمة وغيرها حول الظلم الذي يقع على هذا الشعب، حين تبدأ الصحف بكتابة الحقيقة حول القضية البحرينية، فسأتوقف عن الكتابة عنها، وسأتعامل معها كبقية القضايا، لكن أنا أقدم جهداً مضاعفاً، بدلا من الصحف، وجميع الحقوقيين في الكويت الذين لا يتلفتون إليها، وبعض الحقوقيين يشوهون هذه الحقائق وقد حوربت لمواقفي وأخرجت، لأنني كنت أحمل علم البحرين في يدي، نعم نحن نركز على القضايا الخارجية أكثر، لكن بالمقابل قضية البدون أنا لا أتركها، وأحاول أن أوازن، لإعطاء كل ذي حق حقه، لكنني فرد، ولو كنت منظمة لوزعت العمل.
● ما آمالك وتوقعاتك لمستوى حقوق الإنسان والوعي والعمل الحقوقي في الكويت؟
ـ عملنا مرتبط بالانتهاك، ونتمنى أن يتوقف الانتهاك، حتى نتوقف عن العمل، كما أن حل قضية البدون سيكون مبادرة طيبة جداً لو قامت بها الحكومة، فلو تعاونت وحققت المساواة ووقعت على اتفاقية العمالة المهاجرة وقررت أن تجلس مع المعارضة على طاولة حوار واحدة، بدلا من تشويه صور رموز المعارضة، والمحاربة من تحت الطاولة، فستحقق الانفراجات المطلوبة، والحكومة الكويتية قادرة على ذلك، لكنها لا تريد، وبالنسبة للعمل الحقوقي، فمتى ما تخلت المنظمات الحقوقية عن الفئوية والطائفية والأيديولوجيات والنظر لكرسي ديوان حقوق الإنسان، فستحقق الأهداف، وإلا فإنها مثل هيئة شؤون حقوق الإنسان في البحرين التي لا تفعل سوى موافقة الحكومة.. ومجتمعياً، أتمنى ألا تكون حقوق الإنسان مجرد موضة، بل أن نؤمن بها حقاً.