Friday, May 5, 2023

فلسطين خارج منظومة حقوق الإنسان العالمية

 
بداية دعوني أوضح نقطة جوهرية هنا لنبني عليها وجهة النظر التي سأنطلق منها واقتبس من الدكتورغانم النجار مصطلح أطلقه على الأمم المتحدة وهو الأمم المتآمرة على الشعوب وهذا المصطلح سيختصر علينا الكثير من الشرح  حول السؤال الذي نطرحه في كل مرة أين منظمات حقوق الإنسان عن ما يحد ث للشعب الفلسطيني  ؟
 
عملت ل12 سنة في مجال حقوق الإنسان وأصبحت مدربا ً وخبير تعليم لهذه المبادئ العالمية لكن في كل مرة اكتشف بأن هناك تجاوزات وتناقضات لا يمكن السكوت عنها مهما كلف الثمن ليس  فقط من الطرف المنتهك لهذه الحقوق بل أيضا من قبل من يدعون تأمين مثل هذه الحماية،  ولن أشير إلى نظرية مؤامرة الغرب فقط بل سأتحدث أيضا عن دور العر ب في اجهاض قدرتنا على الإنتصا ر لأولى قضايانا الحية وهي القضية الفلسطينية . 
 
فحقوق الإنسان التي وضعت في وثيقة عالمية بعد الحربين العالميتين كانت لصيانة وحماية الإنسان من جميع الإنتهاكات التي وقعت في تلك الحروب وقد رافقتها آليات وأدوات تفعل عملها وتضمن استدامتها حتى وإن كان ذلك سيصطدم مع سياسات الدول التي ترفض السماح لتلك الآليات والأدوات للقيام بعملها لكن في النهاية وكما هو مفترض يجب أن ننتصر للإنسان أولا ً وأخيرا ً بغض النظر عن هويته ، عرقه ، جنسه،   دينه ومذهبه أ و حت ى انتماءه السياسي ، فالحق الأعلى هو حق الإنسان والمصلحة العليا يجب أن تكون له وهذا الغرض والهدف من صياغة مثل هذه الوثائق من الأساس دون الدخول في الدهاليز التي تم ادخالنا فيها لتمييع هذه الحقوق ، شيطنتها وممارسة الانتقائية الفج ة عند تطبيقها.  
 
علينا أن نعلم بأن العمل الحقوقي يختلف تماما ً عن العمل السياسي إلا أنه يتشابك معه في عدة مشتركات لدرجة لا يمكن للإنسان الغير متخصص تمييزها وحتى المتخصص قد ينجرف بعيدا ً ويخرج عن تلك المبادئ لكن يجب أن اضيء نقطة هنا و هي مهمة جدا ً لشرح ذلك التشابك ، الدخول السياسي في أي قضية يجب أن يكون إيجابيا ً لا يجب أن يلقي بظلاله السلبية عليها بمعنى حين تم تداول عبارة:  " لا تحدثني عن حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني"   ، فالأصل من إقرا ر جميع الحقوق هو أن يتم التأكيد على الشق الإيجابي منها ، فمثلا ً عن دما يتم وضع بنود أي اتفاقية لتعزيز أي حق لا يعد ذلك تمييزا ً بل تأكيدا ً لصيانة هذا الحق بشكل إيجابي لا سلبي ، وهذا ينطبق على القوانين أيضا  فالقانون الذي يتم وضعه يجب أن يتوائم مع حق الإنسان وأفضليته ، وهذا يجرنا إلى حق حماية إسرائيل كما يدعون وحق الدفاع عن نفسها أو حق الرد على أي اعتداء يصدر من الجانب الفلسطيني وهذه الشماعة التي تتمسك بها هي والدول الحليفة لها ، رغم أن ما يحدث هو العكس تماما ً فالإعتداء من الأساس مبني على احتلال واضح المعالم واستيطان واغتصاب وقح لفلسطين إلا أن الشرعية التي يمكن للمجتمع الدولي اعطاءها لهذا الكيان الغاصب يجعله هو الضحية أمام حقوق أساسية إيجابية تصون حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن وجوده وتقرير مصيره كما أتى في القانون الدولي.  
 
فلسطين تكشف كذبة حقوق الإنسان العالمية المليئة بالإنتقائية والتناقضات الأخلاقية فلا أريد أن ابتعد لأعود بالتاريخ إلى بداية الاحتلال لكن اريد أن أتوقف عند ما حدث قبل عدة أيام من اعتداءات همجية ووحشية لا إنسانية كان من المفترض أن تستصرخ المجتمع الدولي حيث أن الإنتهاكات التي وقعت على كافة النطاقاتالتي تدعي مؤسسات حقوق الإنسان حمايتها . 
 
فالإعتداء الصهيوني الذي وقع في شهر رمضان المبارك على المصلين في المسجد الأقصى تجاو ز ضر ب الحريات  الأساسية  الخاصة بهم عرض الحائط التي  وضعوها كفريضة على جميع الشعوب حرية الرأي والتعبير ، حرية الإعتقاد والدين ، والتحرر من الفقر والتحرر من الخوف والتي طلبوا منا كمدافعين عن حقوق الإنسان حمايتها وصونها مهما كانت الظروف.  
 
ما عاناه المصلون في الأيام القليلة الماضية من انتهاك لحرياتهم الأساسية كان ليقيم الدنيا ولا يقعدها لو كانت الصلاة في بلاد لا ترضى عليها سياسات الدول العظمى " كأمريكا " أو هي أمريكا فع لاً وليست دولة صديقة كالإحتلال الصهيوني الغاصب.  
 
فلو ولجتم إلى صفحة الأمم المتحدة ستجدون تصريحا ً يدين العمليات الأخيرة كما يدعون في تل أبيب لكن لا توجد أي إدانات على الإنتهاكات التي طالت المصلين في المسجد الأقصى  او الإعتداءات الصهيونية الأخيرة على لبنان أو سوريا 
 
هكذا تناقض نراه ي تزامن مع كل اعتداء سافر تقدم عليه قوات الاحتلال الصهيوني منذ أن عرف التاريخ بوجود مثل هذا النظام الذي حاز على اعتراف دولي وللأسف عربي مؤخرا ً مجددا ً ضاربين عرض الحائط كل ما هو مدون أعلى قائمة الأمم المتحدة من ميثاق أو إعلان أو حتى القانون الدولي . 
 
 ف في السنوات التي دام الاحتلال الصهيوني لها و منذ بداية الاحتلال في يونيو/حزيران 1967 لطالما كانت
هناك تناقضات صارخة في التعامل مع ملف حقوق الإنسان الخاص بالشعب الفلسطيني ولم تكن هناك أي مبادرات  أو قرارات حقيقية لضمان حق هذ ا الشعب بالحياة وتقرير مصيره .
 
فبالرغم من أن هذه المصطلحات التي تدعي الدول الإستعمارية وجودها على طاولة مجلس الأمن وهي  من الحقوق الأصيلة للشعوب التي ترغب حسب ما تزعم تحريرها من الديكتاتورية إلا أنه ا هذه المصطلحات يبدو بأنها خارج  نطاق العمل  كلما تعلق الأمر بالشعب  الفلسطيني بل وبكل وقاحة تستخدم كافة السبل والأوراق السياسية لإعطاء الكيان الغ اصب الصفة الشرعية لبقاءه واستمراره ، بينما لو دارت ذات الأحداث في بلد آخر لجلجلت الأمم المتحدة  أرعدت وأبرقت استنكارا ً واس تهجانا ً عوضا ً عن ابداء قلقها طوال تلك السنوات عن كل الجرائم التي تحدث بحق الشعب الفلسطيني فكان الجواب هو القلق .. القلق فقط .
 
هذه المصطلحات تصنع الحقائق والعناوين الكبرى لتجعلك تتعاطف وتدعو لحماية حقوق الصهيونية وحمايةللإنسان اليهود ي  الذي عانى من جرائم  هتلر ولم يجد أرضا ً تحتويه فه و  المهضوم حق ه  تاريخيا ً مقابل المواطن  الفلسطيني العنيف  الهمجي الذي يرفض أن يتعايش معاه بسلام على أرض واحدة لأنه يرفض المختلف عنه ولا يقبل ب ه لأنه يفتقر إلى ثقافة سامية عالية تروج لها الأمم المتحدة وهيئاتها  ، فيدفعونك لإستخدام هويات ، وتلك الهويات وكما ذكرت في السابق يجب أن تحمي حقا ً وهذا الحق مدعوم بالحق الإيجابي لتمييزه عن بقية الحقوق من خلال أكثر من باب كحقوق ا لأقليات الإثنية لأنك لو تلاحظ معي أي رفض للوجود الصهيوني ستقابله تهمة معاداة السامية وهذا الربط كان  ومازال يستخدم بشكل يعود بالنفع والشرعية على وجود الصهاين ة ليروج حق قيام الدولة المستعمرة والإحتلال لتكون مقاومتها جريمة رغم أن المقاومة بحد ذاتها أداة من أدوات الحماية قضية فلسطين وحق شعبها في التحرر وتقرير مصيره ، لذلك يتم تحريم  هذه  الأداة لتحقيق الشق الإيجابي من حق البقاء الصهيوني وبذلك يتم  تحليل وتجريم حقوق الإنسان وفقا ً لسياسة الدول ومدى توافق أجندات الإستعمار والهيمنة العالمية عليها . 
 
إذا ً كيف نصون  حقوق الإنسان في ظل هذه الأجواء والأهواء والإنتقائية الدولية وكيف يمكن أن نقر هذه الحقوق عبر استخدام ورقتهم ذاتها التي ينتهكون حقوق الشعب الفلسطيني من خلالها 
 
1-    الوعي قبل أي شيء سبب رئيسي في تبني أو رفض أو قبول التوجهات والحقائق فقبل طرح أي قضية علينا العمل على توعية الجماهير بها ، نشأتها ، سببها ، أحداثها ، أطرافها ، نتائجها ، نهج تغيير مصيرها ، آليات التغيير ومن ثم العمل على تشجيع الآخرين لتبنيها ، فلو قمنا بإلقاء القضية كما هي وسط هذا الزخم والأدوات التي يملكها الإعلام المضاد في كل فترة زمنية نمر بها سوف نخسر الأصوات التي كنا سنكسبها في مرحلة ما. 
 
2-    علينا استخدام سلاحهم ذاته ضدهم ، فكما يتم استخدام ورقة حقوق الإنسان لإضفاء الشرعية لحماية حق الصهاينة في الدفاع عن أنفسهم يجب أن نؤكد على حق تقرير المصير وحماية المقدرات والمقدسات الفلسطينية وصونها من الإنتهاك والمطالبة أمميا ً بصيانتها وفق الطرق القانونية والشرعية.  
  
3-    بعد نشر الوعي وعدم الإكتفاء بنشره في فترة زمنية محددة،  علينا أن نلتفت إلى من يقود هذه الشعلة ، من يتصدى لهذه المهمة ، من هم هؤلاء الناس ، ما مدى ارتباطهم بالقضية ومصداقيتهم وما هي أدواتهم ، لأنهم من سيقومون بشق الطريق للآخرين وسيظهرون أمام الصوت المضاد فيجب أن لا يكونوا ضبابيين ، غير واضحين ، عرقيين وعنصريين ، طائفيين أو معادين للأديان الأخرى ، فالقضية يجب أن تكون جامعة لا مفرقة.   فبالوعي تمكن الفلسطينيون من حش د وجمع دعم الكثير من الشخصيات البارزة سياسي اً ، ثقافي اً ، اجتماعيا ً ، دينيا وً رياضي اً فأصبحت القضية الفلسطينية تذكر بجميع اللغا ت في جميع القارات ولا يمكن أن تموت القضية إن أحيت بهذه الطريقة فالهدف من الأساس طمس الهوية الفلسطينية واستبدالها وحماية تلك الهوية عبر تأكيد وجودها يبقيها ح ية بيننا.   
  
  
4-    اللغة وهي من أهم الأدوات التي يجب أن تكون محكومة بعناية وحذر ويجب أن تكون المفرداتالمستخدمة في الإعلام بكافة أشكاله لها أبعادها وتوصل الرسالة بشكل يخاطب عقول ومشاعر الجميع ، يجب أن تكون سلسة وسهلة ، واقعية ، جامعة غير منفرة مبنية على أسس ما سبق من نقاط لتساهم بتعزيز الموقف والقضية.   
  
5-    الدخول في المناطق التي لم تكن متاحة ومفتوحة عبر طرح القضية على كافة المستويات والإنتقال من الإعلام المحلي إلى العالمي وكسب أطراف داعمة من الخارج لتعكس أصوات الداخل وتكون امتداد لقضيتهم . وهذا هو التضامن والمشاركة أحد مبادئ حقوق الإنسان التي يتم الإعتماد عليها في تدويل ونشر تفاصيل أي قضية أينما كانت عبر التشبيك ما بين المهتمين والمعنيين بها وبناء جسور التواصل الثقافي و الإجتماعي.  فأبسط الأشياء التي تبرز الثقافة الفلسطينية تمت سرقتها  من  قبل الكيان الغاصب كالطعام  ،  الأقمشة  والتطريز الفلسطيني المعروف  واصبحوا يجاهرون عالميا ً بأنها صناعة  إسرائيلي ة  بينما  يؤلمهم حقا ً أن تحتفي الشعوب بيوم الشعب الفلسطيني وحقه،  ثقافته ، صناعته ، تاريخه وحتى يوم القدس العالمي هو يم يؤكد على الوجود وهي أداة أممية تلجأ الأمم المتحدة لإستخدامها كتذكير سنوي للعديد من القضايا والحقوق وكما ذكرت هذا سلاحهم لنستخدمه ضدهم.  
 
فكن مرآة عدوك دائما ً واستخدم ادواته ضده واقلب الطاولة عليه وحاصره من كل الزوايا التي يعمد إلى استخدامها لإجهاض حقك